لا شك أن التقنية الجديدة في أجهزة التسجيل وبرامج الحاسوب قد وفرت الجهود والإمكانيات، وسهلت من تنفيذ الموسيقى. وغيرت واقع تنفيذ الأعمال الموسيقية. فتم اختزال الأستوديوهات الكبيرة ذات لوحات الأزرار المعقدة إلى غرفة صغيرة مع حاسب وجهاز كيبورد وسماعات صوت.
وأصبح متاحاً للعازفين بفضل تقنية التسجيل الصوتي متعدد المسارات تسجيل أدوارهم في المقطوعة في أوقات مختلفة من النهار وفي أيام مختلفة من العام, بل وحتى في أماكن مختلفة من العالم.
إن المكتبات الصوتية المتاحة أصبحت تقارب أصوات الآلات الحقيقية, وأصبحنا ندخل على موسيقانا أصوات جديدة وليدة التقنية وليس لها أي آلة موسيقية مصنوعة.
بل حتى من خلال أجهزة الهاتف المحمولة أصبح بالإمكان تسجيل الصوت وعزف الموسيقى وتقطيع الصوت وتصديره كعمل فني.
متاجر الموسيقى على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فتحت المجال لنشر الأعمال الفنية على مستوى العالم. وأصبح من اليسير الاطلاع على موسيقى الثقافات الأخرى وأعمالها الفنية. وأصبح بالإمكان إطلاق ألبوم غنائي من غرفة المعيشة.
حتى دراسة الموسيقى أصبحت أسهل. منصات التعليم الالكتروني والجامعات الافتراضية توفر دورات تدريبية لتعليم الموسيقى, منها مجانية, ومنها متخصصة لتعليم العزف على آلة معينة أو مجال معين الموسيقى.
كتب ثقافية موسيقية, مخطوطات موسيقية قديمة, آلاف المدوّنات موسيقية, إنشاء فرق موسيقية افتراضية, إقامة حفلات هولوجرام لفنانين رحلوا, ظهور فنانين افتراضيين اتخذوا أشكال كارتونية, إقامة حفلات فنية حية على مواقع التواصل الاجتماعي. القائمة تطول ويصبح الحديث لحصر الإمكانيات الحالية صعباً.
والتدوين الموسيقي كان له نصيباً من هذا التطور التقني. إن برامج التدوين الموسيقي على الحاسوب تتيح للمدونين إمكانية تدوين الأعمال وسماعها.
أشهر برامج التدوين الموسيقي الحالية هي برنامج سيبليوس, وبرنامج ميوزسكور, برنامج فاينال, وبرنامج سكور كلاود الذي يمكن من تحويل ما تغنيه أو تعزفه إلى نوتة موسيقية.
إن برامج التدوين الموسيقي وسيلة مهمة لتوثيق الموسيقى مدوّنة في نسخ نظيفة سهلة الحفظ والنسخ والنقل. اليوم هناك إمكانية لتوثيق التراث بشكل أسهل والاحتفاظ به وتقديمه للجيل الجديد.
من خلال هذه البرامج أصبح بإمكان مؤلفي الأغاني السريانية تدوين أغانيهم, حتى إن كانوا لا يجيدون التدوين الموسيقي. فمن خلال العزف على كيبورد موصول على الحاسوب, ستدوّن هذه البرامج الموسيقى من خلال تحويل الصوت الميدي الناتج من العزف على الكيبورد إلى مدوّنة موسيقية.
ولكن ما هي تأثيرات استخدام هذه البرامج؟
وما هي التحديات التي تواجه تدوين موسيقانا؟
بعض هذه البرامج لا تمكنها من تدوين الربع تون الذي تتميز به الموسيقى الشرقية أو لا تتمكن من أدائه. وحتى تلك التي تتمكن من تدوينه وأدائه سيكون هناك مشكلة في عدم أداء الكوما التي تميز تراث منطقة عن أخرى. فعادة ما تتم برمجتها وعيار أصواتها مسبقاً, وهذا من شأنه التأثير على الموسيقى التي يصدرها البرنامج. وسيمثل هذا بالفعل تحدي أمام المدوّنين أو أمام مستخدمي المكتبات الموسيقية. إن لم ينتبه المدوّنون أو مؤلفو الموسيقى لهذا الأمر, ستتأثر الموسيقى الشرقية بغياب لمسة الربع تون التي تتميز بها, أو تفقد بعض الأعمال التراثية روح الكوما التي تميزها. صحيح أن هناك إضافات لهذه البرامج تسمح بإضافة ربع التون. ولكن في بعض منها هذا ربع التون هو معياري ولا يمكن تغيير الكوما لتوافق حسب تراث المنطقة.
هذه البرامج تستخدم ترددات معيارية للنغمات وهذا يشكل صعوبة الاستماع إلى الأعمال القديمة المدوّنة على هذه البرامج. حيث لا يمكننا التأكد من أن ما نسمعه يتفق مع ما تقدّمه المدوّنة الأصلية للعمل. كما أن الصعوبة قائمة في حال استخدام مكتبات الموسيقى في إعادة تسجيل الأعمال التراثية التي تم تأليفها في زمن كانت ترددات النغمات مختلفة عن تلك المعيارية التي نستخدمها اليوم.
كما أن تدوين موسيقانا من قبل غير المتخصصين في التدوين قد يجعل المدوّنة لا تظهر الأصالة إن لم يتوخ المدوّن الحرص عند التدوين, أو لم يكن ذي خبرة في استخدام البرنامج أو لم يكن ذي اطلاع كاف على النظرية الموسيقية.
إن موسيقانا مليئة بالزخارف اللحنية والانتقال بين المقامات واستخدام الايقاعات والأوزان الموسيقية المختلفة. تحتوي الأغاني على المواويل والتقاسيم وعلى الميكرو تون. يكثر فيها الارتجال والتطريب. هذا من شأنه يزيد التحدي أمام المدوّن ويتطلب منه الصبر والدقة.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه تدوين موسيقانا هي كتابة النصوص على المدوّنة الموسيقية. فهذه البرامج لا تمكن المدوّن من تسجيل النصوص على المدوّنة بالسريانية. قد يضطر المدوّن إلى استخدام الحرف اللاتيني. وبسبب عدم وجود اتفاق عام على كيفية كرشنة السريانية بأحرف لاتينية, يصبح هذا التحدي كبيراً وخاصة مع وجود شعبنا في بلاد مختلفة من العالم واختلاف لفظ الأحرف الصوتية بحسب لغة البلاد التي يسكنون فيها. لقد عشت هذا التحدي شخصياً عند تأليف كتاب (قليدو) الذي ألفته عام 2020 ونشرته عام 2021. فكان من الضروري كتابة النص تحت المدوّنة الموسيقية كي يتسنى للمتمرن غناء النص عند العزف. فكان من الضروري إرفاق جدول كرشنة السريانية إلى اللاتينية في مقدمة الكتاب. إن جدول الكرشنة كان مفيداً لبيان النطق بالسريانية. وإنني أنصح باستخدامه عند التدوين الموسيقي.
وخلاصة القول إنه يمكننا الاستفادة من برامج الحاسوب في تدوين الموسيقى السريانية. ولكن علينا أيضاً الانتباه ومحاولة الحفاظ على بصمة هذه الموسيقى.
نبيل يوسف
December 2020
Copyright © 2024 Nabil Yousef - Med ensamrätt.
Drivs av GoDaddy