منذ الطفولة يكون الانسان قادراً على تمييز مصدر الصوت، وشدته, وارتفاعه, وطبيعته. فالطفل يستجيب منذ نعومته على بعض العناصر الأساسية في الموسيقى مثل اللحن والايقاع والدايناميك. فالطفل ينام على سماع الهدهدة أو عند النقر بحنان على ظهره أو على كتفه. وهناك أطفال يهمهمون عند النوم باستخدام صوت (أااا). أو قد يضحكون -وكأنهم يشعرون بسعادة- عندما تتحدث إليهم بسرعة. فكأن لدى لطفل استعداد فطري للموسيقى. حيث نجد في السنوات الأولى للطفل أنه يستخدم عناصر الموسيقى أثناء اللعب. فتجده يكرر الحركة بإيقاع منتظم, أو أنه يكرر الكلام بإيقاع منتظم. أو يستخدم النبرة في عباراته غير تلك التي يستخدمها الكبار. أما التعرف على عناصر الموسيقى الأخرى كالهارموني والنسيج الموسيقي والقوالب الموسيقية تأتي لاحقاً. (1)
لتعلم الموسيقى وظيفتان هامتان؛ وظيفة تربوية ووظيفة فنية. ويقصد بالوظيفة التربوية أي أن الموسيقي تساعد في نمو الطفل جسمياً وعقلياً, ونفسيا,ً وعاطفياً, واجتماعياً. فمن خلال تعلم الموسيقى ينمو الطفل جسمياً من خلال تدريب الأذن على التمييز, والحكم بين الأصوات المختلفة من حيث الحدة, والشدة, والنوعية, والتوافق, والمدة. كما أن العزف على الآلات الموسيقية يزيده مهارة استخدام عضلات اليدين والذراعين والأصابع (1) أما الغناء الجماعي ودروس الصولفيج, والعزف على الآلات النفخية يحسن من تنفس الطفل مما يحسن من القراءة المنتظمة والإلقاء الجيد فيما بعد. (2)
كما يؤثر تعلم الموسيقى ويساعد على النمو العقلي لأنه ينمي قدرة الحكم, واتخاذ القرار لدى الطفل. إن استماع الطفل على أداء ما للحكم عليه يزيد من قدرة الطفل على الملاحظة. إن حكم الطفل على عمل موسيقي ما أنه ضعيف أو جميل يزيد من قدرة الطفل العقلية على التحليل, كما يحسن من الذائقة الموسيقية فيما بعد. كما أن قراءة النصوص الغنائية وأدائها يحسن من قدرة الطفل على القراءة. أما أداء الجمل الموسيقية البسيطة أو استذكار الألحان يحسن من الذاكرة السمعية لدى الطفل ويقوي احساسه بالزمن عند محاولته اتباع الإيقاع. (1)
الموسيقى تعبر الوجدان. وإن الغناء والعزف يساعدان الطفل على التعبير عما يشعر به. فمن شأن تعلم الموسيقى أن يساعد على التعبير عن المشاعر على نحو مقبول من الآخرين. هذا النمو النفسي والعاطفي يتسنى من خلال الملاحظات الدرسية. إن الفواصل الغنائية الجماعية في الدرس تقلل من الحدة والتوتر لدى الأطفال, وتلعب دوراً هاماً في الإقبال على الحصص الدرسية. كما أن تعلم الموسيقى يساعد مستقبلاً في التوجه الإيجابي للطفل نحو الفن والفنانين. فقد يؤدي تعلم الموسيقى إلى تزويد المتعلم بمهارات تمكنه من احتراف الموسيقى عندما يكبر. أما الغناء أو العزف الجماعي تقوي حس العمل الجماعي المشترك. ولأن الموسيقى لغة عالمية فيمكن مع تعلمها مد جسر للتواصل بين الثقافات المختلفة. هذا عدا عن كونها وسيلة ممتعة وآمنة لقضاء وقت الفراغ. (1)
أما من ناحية الوظيفة الفنية لتعلم الموسيقى يقصد بها أن الموسيقى تساعد على تربية الحاسة السمعية لدى الطفل. حيث يتمكن الطفل من خلال تعلم الموسيقى من إدراك العناصر الموسيقية، كما ينمو الذوق الموسيقي السليم لديه. (1)
إن تعليم الموسيقى السريانية يعتبر ضرورياً لأطفالنا. فبالإضافة إلى ما سبق فإن الموسيقى السريانية ستقوي الروابط بين أطفالنا, فهي ستكون بمثابة اللُبنى الأولى التي من خلالها يمكنهم أن يشعروا بوحدة الحال, وتعزز الروابط بينهم للعمل الجماعي. فالموسيقى تجعلهم واعين أن لنا صوت واحد على الرغم من تعدد واختلاف الآلات التي نعزف بها. كما أن الموسيقى وسيلة جيدة لنقل تراثنا الثقافي والجمالي لأطفالنا. فمن خلالها نستطيع أن نمد جسراً للتعارف مع الثقافات الأخرى. فتعليم الموسيقى وبلا أدنى شك يعزز حس الانتماء, كما يحسن من استخدام اللغة, ويمكن تحقيق ذلك من خلال التدريب على أداء الأناشيد والأغاني, كما يساهم تعليم الموسيقى بالسريانية في نشر القيم التي تجمعنا. فمن خلال البث كازو نستطيع أن نقدم القيم الدينية لكنيستنا وندعم قيمنا الاجتماعية.
إن تعلم القواعد النظرية, والإنشاد الجماعي, والفرق الموسيقية, والغناء, وأداء القصص بالحركة الإيقاعية, والألعاب الموسيقية, وغيرها من الأنشطة من شأنها أن تكون أدوات فاعلة في تقوية نمو أطفالنا. فمن الضروري كواجب أن يحظى تعلم الموسيقى السريانية اهتمام مدارسنا. فيتم تقديم حصة درسية موسيقية تليق بموسيقانا. حيث يتم فيها تقديم العلوم الموسيقية النظرية والأناشيد والأغاني بما يتوافق مع المرحلة العمرية. وربط الحصص الدرسية الموسيقية بأنشطة تجذب الطفل. فمن حق أطفالنا أن يتعرفوا على موسيقى أجدادهم وأن يتعرفوا على الموسيقيين الذين أثروا التراث بطريقة علمية. كما أن هناك واجب يقع على الأهل أيضاً من خلال تشجيع المواهب في صغارهم. حيث يستطيعون تقديمهم للمعاهد الموسيقية ليتسنى للطفل أن يتلقى الاهتمام الكافي. وإن كانت ضعف الموارد تمنعهم من إلحاق أطفالهم بالمعاهد الموسيقية أو شراء الآلات الموسيقية. فأقل ما يكون هناك إمكانية لتشجيع سماع الأغاني بالسريانية في البيوت, أو الحديث عن أهمية ومدى تفرد موسيقانا. أما على عاتق الفنانين تقع ضرورة تشجيع الأطفال الموهوبين. فليس هناك من صعوبة في بدء تجارب الغناء الثنائي مع الأطفال, ومشاركة الأطفال في أغنيات تلائم أعمارهم دون هدف الكسب والاستغلال. كما أن تجديد أغاني الأطفال القديمة وتقديمها بصورة عصرية تساعد في جذب اهتمام الطفل. ولقد كان لدي تجربة في إصدار كتب منوطة لأغاني الأطفال مثل كتاب قليدو ليكون مفتاح أبواب التدريب على موسيقانا في حوزة أطفالنا. كما إنني أشجع المؤلفين الموسيقيين السريان على حذو ما حذوت لنقدم لأطفالنا كل ما يفيد وينفع لمستقبلهم.
نبيل يوسف
2021-05-30
المراجع
خليفة محمد محمود جاد الله (2016). دَوْر المُجتمع المَحلِّي في دعم وتطوير التَّعليم المُوسيقي المَدْرَسي. فلسطين: جامعة النجاح الوطنية
شيرين عبد المعطي البغدادي (2012) الموسيقى والمهارات اللغوية للطفل. مصر. المكتب الجامعي الحديث
Copyright © 2024 Nabil Yousef - Med ensamrätt.
Drivs av GoDaddy